ملخص
هذه محاولة لتفسير النظريات الأساسية وفلسفة الإسلام والطب الإسلامي ونقاط الاختلاف بينه وبين الطب الحديث.
إن الطب الإسلامي يرتبط ارتباطا وثيقاً بالإسلام الذي هو طريقة متكاملة للحياة. إن المسلم يؤمن أيمانا لا يتزعزع بالقرآن الكريم، وكما أن المسلم لم يندهش لتقدم الطب أو العلم الحديث وهو كذلك لا يعارضه فهو يعلم أنه لا يمكنه العيش اليوم بدون الطب الحديث معتمداً على العقاقير والأساليب القديمة ولكنه يتبنى الطب الحديث فقط بعد أن يخضعه وللإسلام.
إن العلماء اليوم أدركوا أخطاءهم في تشتت المعلومات التحليلية دون تجميعها في صورة شاملة. ويرجعون اليوم إلى النظريات الشمولية للطب الإسلامي.
إن المسلم في هذا القرن يعيش دائماً تحت تأثير طابع الحياة والثقافة الغربية وهي نتاج لتكنولوجيا وطب الغرب، كما أن الدول الإسلامية تتحول سريعاً إلى مجتمعات صناعية، ولكن يجب عليها ألا تعيد نفس الأخطاء التي وقع فيها الغرب بالتقليد الأعمى لهم.
على المسلمين أن يقتنصوا الأفضل من الناحيتين، أولاً: التمسك بالمبادئ الأساسية للإسلام وطب المسلمين، ثم: الاستفادة الكاملة بمزايا الطب الحديث.
إن الغرض من هذا البحث هو عرض مزايا وعيوب طب المسلمين والطب الحديث ثم محاولة الدمج بينهما خاصة الأسس الفلسفية والنظريات.
الطب الإسلامي :
إن أصول هذا العلم مرتبطة بالإسلام من خلال تعاليم جاءت في القرآن والحديث تتعلق بالطب فالتعاليم الخاصة بالصحة الشخصية ونظام التغذية والصلاة والصوم والحياة الجنسية كلها شملها القرآن الكريم والحديث الشريف.
فلسفة الطب الإسلامي:
تقوم فلسفة الطب الإسلامي أساساً على أن الإنسان رمز الوجود، أنه مفتاح فهم الوجود والكون كله، والإنسان ( العالم الصغير) هو صورة مصغرة ( للعالم الكبير) (الكون).
العلاقة بين الروح والجسم:
يملك الإنسان جسماً وفيه توجد الروح وهما متصلان، هناك تفاهم وانسجام بين كافة المخلوقات وتفاعل بين عوامل الكون المختلفة وكذلك بين أجهزة وأعضاء جسم الإنسان.
الأخلاط الأربعة (الأمزجة):
ويتكون جسم الإنسان من أربعة أخلاط هي:-
الدم والبلغم والصفراء والسوداء، وهي التي تحدد صحة المرء ومزاجه وقد وضع هذه النظرية في بادئ الأمر أبقراط على أساس الملاحظة العينية للدم وحلله إلى أربعة ألوان الأحمر والأصفر والأسود ثم طورها العلماء العرب التي أصبحت كافة الأمراض تفسر عندهم من خلال نظرية الخلل في التوازن بين الأخلاط الأربعة.
وكل من الأخلاط الأربعة له طبيعتان فالدم ساخن وجاف مثل النار، والبلغم بارد ورطب مثل الماء، والصفراء -حارة ورطبة مثل الهواء، والسوداء باردة وجافة مثل الأرض.
هكذا فإن الأخلاط الأربعة مرتبطة بعوامل الطيعة الأربعة الأساسية.
الدور الأساسي للتوازن بين المتضادات : -
عندما تكون الأخلاط طبيعية في الكمية والجودة يتمتع الإنسان بصحة جيدة ولكن إذا حدث اضطراب يمكن لبعض الأخلاط أن يسقط على البعض الآخر وهنا يحدث المرض. ثم يفرز مثل هذا الاضطراب في البول أو البراز وغيره ويعود ويشفى المريض.
ونتيجة لهذا فإن مهمة الطيب هي توجيه العلاج لمساعدة قوة الشفاء الداخلية على العمل وتجنب ما يمكن أن يثيرها . وسبيله إلى ذلك هو اتباع نظام معين في الغذاء والاستعانة ببعض العقاقير.
الأرواح الثلاثة : ـ
ولكن هذه الأخلاط ليست سبب الحياة، بل أن الطيب المسلم آمن بالروح وهي تقف بين الجسم وقوة الحياة نفسها
والروح بمفهومها الطي تنقسم إلى ثلاثة أنواع:-
ا- الروح الحيوية وتكمن في القلب.
2- الروح النفسية وتكمن في المخ.
3- الروح الطبيعية وتكمن في الكبد.
العوامل الستة الخارجية الأساسية للصحة:
علاوة على المسببات الداخلية للصحة آمن الطيب المسلم بعوامل خارجية هامة لصيانة الصحة وسميت الضروريات الستة:
ا- الهواء ويشمل المناخ واختلافه، التربة... الخ
2- الطعام ويشمل أوقات الوجبات وما يجب أكله وشربه والكميات اللازمة
3- راحة الجسم وحركته (التمرين)
4- النوم
5- الراحة النفسية ويشمل الحالات النفسية التي تنفع الصحة أو تضرها.
6- الإفراز والاحتباس ويشمل هذا تأثير الجماع.
قدرة الجسم على الشفاء:
الصحة هي الوضع الطبيعي للجسم. آمن بذلك الأطباء المسلمون وأسموها (الطبيعة المدبرة للبدن)، وما استعمال الدواء إلا كمساعدة للقوة الداخلية للجسم وقدرتها على الشفاء.
الصحة العامة والنظافة:
أكد الإسلام أهمية الطب الوقائي والصحة العامة، فتعاليم الإسلام تؤكد- النظافة العامة والنظافة الشخصية خاصة، وفي السيرة والسنة أمثلة كثيرة.
نظريات وفلسفة العلم الحديث ومنها الطب العصري
يقوم العلم الحديث على أسس الفلسفة العقلانية التي ظهرت في القرن السابع عشر واعتمادها الكلي على العقل كمعيار للحقيقة ولهذا كان العلم الحديث ضد الميتافيزيقا، ولهذا فإن الدليل المادي والتجربة والتحليل هي أسس تقبل الحقائق.
لقد تغير مفهوم المرض من تحاليل الأخلاط إلى تحاليل الخلايا، ولكن الإنجازات الهائلة للطب الحديث تجعل الإنسان لا يستطيع أن يتخيل الحياة بدونه.
عدم التوازن بين الكائنات والبيئة الناتج عن التلوث في الهواء والماء والتربة:
لقد لعب الإنسان بخطورة شديدة بالبيئة الطبيعية خلال قرن واحد ولقد اهتم بها الناس أخيراً بعد ظهور الكوارث المترتبة عليها خلال السنوات العشر الماضية. إن التلوث الذي أصاب البيئة الطبيعية له نتائج خطيرة على الصحة النفسية والبدنية للإنسان.
أمراض جديدة تحل محل الأمراض القديمة كحالات الآثار الجانبية والأمراض السيكوسوماتية:
أي أنها أمراض ناتجة عن استعمال بعض أنواع المداواة مثل العقاقير المهدئة والتعرض للإشاعات المختلفة، كما إن المضادات الحيوية تستعمل الآن كدواء لكل داء ولهذا نجد أن الأمراض القديمة حل محلها أمراض جديدة من صنع الإنسان حتى أصبحت أمراض الحساسية شيئاً عادياً جداً وهذا هو الثمن الذي ندفعه للعب بالطبيعة دون حساب.
إن جهلنا بأسباب المرض ما زالت تفوق معرفتنا بها:
إن أسباباً كثيرة من الأمراض التي تؤدي إلى الوفاة مازالت غير معروفة مثل السرطان والقلب والسكر ولكن العلماء يؤكدون الأسباب النفسية لأمراض القصور التاجي للقلب ويعزون ذلك إلى تأثير طابع الحياة الغربية.
لذلك فقد وصلوا إلى نصائح هامة هي:-
ا- تغيير عادات الحياة الغربية بنظام صحيح في الطعام، والابتعاد عن التدخين، والرجوع إلى النشاط ومزاولة الحركة.
2- البعد عن المنافسة والتطاحن والعلاقات المادية والرجوع للتعاون والتفاهم.
ففي المؤتمر الأسيوي للسرطان المنعقد في مدينة بمباي بالهند صرح د. هيجنسو أن العوامل الاجتماعية وطابع الحياة والجوانب الثقافية والسلوك والتغذية قد تكون مسؤولة عن بعض أمراض السرطان المختلفة.
أما في موضوع العقاقير القوية جداً كتب ستورات هاريس ما معناه: أن التحاليل الحديثة قد قسمت وظائف الأعضاء والأنشطة الكيماوية على حدة دون الاهتمام بمفهومها ككل.
مما لا شك فيه أن التحليل يمثل الخطوة الأولى في دراسة الظاهرة، إلا أن لفهم الظاهرة ككل لا بد. من مرحلة التركيب والتآلف، مثل هذه النظرية أدت إلي ظهور الحركة الجديدة، Psychp,atic أو الطب الشمولي .
العودة إلى النظرية الشمولية:
بعض العلماء العصريين يرجعون الآن إلى النظرية الشمولية للطب أو الأسباب المتعددة للمرض- يقول دوبوس:
إن فهم المرض والتحكم فيه يحتاجان إلى دراسة العقل والجسم معاً وعلاقتهما بالبيئة الخارجية ويقول إن الدراسات الإكلينيكية والفحوصات في العيادات أثبتت أن جميع الأمراض تنتج عن عوامل عضوية ونفسية).
يقول بون:
"إن طالب الطب في دراسة علم الأمراض عليه ألا ينسى أن المريض كل لا يتجزأ، له ماض وحاضر ومستقبل، وليس كبد مريضة فقط ورئة ضعيفة. "
" إن فن المداواة والشفاء هو الوظيفة الحقيقية لمهنة الطلب وما العلم إلا أداة من أدواته المختلفة. " إن واحدة من أكبر أخطائنا أن يحسب أن هناك سبباً واحداً للمرض أو للعلة...... " الخ ".
التوافق بين الطب الإسلامي والطب الحديث:
إن علينا أن نتمسك بمبادئ الدين الإسلامي ومبادئ الطب الإسلامي ثم نأخذ من الطب الحديث محاسنه، عندما يبحث الطب الحديث عن الحقيقة.
ملخص:-
إن أسس الطب الإسلامي أسس صحيحة ولكننا لا يمكن أن نحيا في هذا القرن دون الاستعانة بالطب الحديث، ولكن هل عند الطب الحديث علاج لكل مريض؟ هل نجح الطب الحديث في إزالة الأمراض من وجه الكرة الأرضية؟
لقد تعلمنا من تراثنا أهم قاعدة، ألا وهي التوازن بين الروح والمادة.
No comments:
Post a Comment